مجانية التعليم والخلل الاجتماعي

لو نظرنا لحال مجتمعنا الآن من لوجدنا حاله غريباً فمن قضي خمسة عشر عاما في التعليم والدراسة و تخرج طبيباُ او مهندساً او محاسباً او محامياً لا يجد عملا بسهولة و ان وجد عملاً فالمرتب ضئيل و بالكاد يكفية شظف العيش ويعيش على الكفاف, ليتبوأ في النهاية مكانتة المرموقة على قهوة العاطلين

بينما الصنايعي أياً كان ميكانيكي, نجار, سباك, سمكري, حداد مسلح فان ما يتحصل علية شهريا من مهنتة يفوق اضعافا مضاعفة ما يحلم ,وأكرر يحلم , بة اي شاب خريج جامعي اجاد اللغة الاجنبية والحاسب

كيف هذا وما هوة الخلل في هذا المجتمع

وكيف يكون حال من يعمل يمتهن مهنتة بيدية وبدون دراسة و لاشهادات ولا شيء افضل من الخريج الجامعي بل والمتفوق

بل وايضا ان الصنايعي لا يكاد يستطيع الوفاء بالاعمال المعروضة علية بل ويرفض بعضها لكثرتها ولتكالبها علية فكم من مرة تبحث عن السباك او الكهربائي لاصلاح عطل بمسكنك ولا تستطيع ان تجد سباكاً او كهربائياً بل وتجدة مشغولاً ومحجوزاً و مش ملاحق على الشغل برغم سوء الصنعة وارتفاع المصنعية عن العهد السابق

بينما الشاب الجامعي او الفتاة الجامعية, ان وُفق في الحصول على وظيفة فإنة مضطر لقبول اشياء كثيرة للحفاظ على عملة من إهانة واستعباد و العمل ساعات إضافية وبدون مقابل, و عدم وجود عقد عمل والتأمينات بمرتب صوري ولا يوجد تأمين صحي, وبرغم ذلك هو افضل من الفتاة إذ انها بالإضافة لكل ما سبق مطالبة بملاطفة رئيسها او صاحب عملها او تقبل تحرشاتة بها لتحافظ على وظيفتها, ولا يستطيع ايهما الرفض لانة وببساطة يوجد الوف في الطرقات لا يجدون وظيفة و سيقبلون العمل ربما باقل أجر ولن يرفضوا "متطلبات" الوظيفة, اي وظيفة تلك التي لا تكاد تكفي اقل مستوى من المعيشة وبلا اي امل في مستقبل او اي امل في ادخار ما يكفي للشقة والزواج ومايلية
وعلى النقيض نجد المهني, ايا كان, ميسور الحال و متوفر لة دخل وعائد مادي عالي جدا يتيح لة امتلاك محلا او ورشة و عدة و يستطيع شراء شقة بسهولة بمبالغ فلكية و يمتك السيارة و ربما يتستطيع الزواج عدة مرات و ربما من فتيات جامعيات, لأنة ميسور و مقارنة بالشباب الجامعي الذي ربما يعمل وظيفة لا يكفي اجرها ان يغطي تكلفة انتقالة منها واليها
فما هو مرجع هذا الخلل الاجتماعي في مجتمعنا

اولاً لابد ان نتفق على ان المسألة هي مسألة "عرض و طلب" بمعنى ان الطبيب والمهندس والمحاسب متوفرون بوفرة وكثرة بما بزيد عن حاجة المجتمع بكثير, لذا لا يجد نسبة كبيرة منهم العمل فمثلا الطبيب لا يجد مكاناً في المستشفيات الحكومية ولا الخاصة ولا بالوساطة وكثير ممن إمتلكوا عيادات خاصة, ربما لا يدخل عيادتهم مريضا بالايام, وذلك لكثرة العيادات و المرضى بطبيعه الحال امامهم بدائل كثير و خبرات متعددة يختارون منهاوعلى النقيض فإن الوظائف المهنية تعاني نقصاً كبيراً بالمقابل للاعمال المطروحه والمطلوبة كما ذكرنا سلفاً, جميل جدا متفقين إذن ان المشكلة هية في خلل معادلة العرض والطلب في المجتمع بالنسبة للمتعلمين و الحاصلين على شهادات

جميل جدا, طيب نتفق مرة اخرى على انة صعب جداً على من تعلم, واضاع من عمرة اكثر من خمسة عشر عاما على تحصيل العلم, من الصعب جداً علية ان يتجة للعمل المهني ويبتدئة من بداية السلم من حيث ابتدى الاطفال ذوي ال 7 اعوام العمل "كبلية" صبي ميكانيكي او مساعد لنجار او سباك يحمل حقيبة العِدة و يتعمل مباديء واساسيات الصنعه فذلك بداية يعني انة يعترف ضمنيا بفشلة التام في الحصول على عمل بشهادتة, فهو باتالي فاشل, بالإضافة إلى انة سيحتاج لاعوام كي يتقن الصنعة او المهنة حتي يصبح بالكفائة المطلوبة ليدير مهنتة بنفسة و يتحصل على أجر معقول منها
إذن فلنتفق على ان من تلقى العلم و اضاع عمرة في التعلم ستكون اولويتة ان يجد وظيفة بشهادتة ربما في عاصمة محافظتة او في القاهرة, حلم كل قروي, او لربما في ان يوفق في الحصول على وظيفة في العراق او الخليج او ليبيا او غيرها

جميل جدا, فلنعود فلاش باك إلى الاحوال في اربعينات القرن الماضي
كان كل شيء مستقر, الهرم الاجتماعي متوازن, هيكل الأجور واقعي ويعبر عن تكافؤ الأجر مع ما تحصل علية المرءمن علم و خبرة
ثم ......... بووووووووووووم ..............تبدل الحال .....ثورة...........ملكية ذهبت.......جمهورية أتت........ تأميم......استيلاء على اراضي......توزيع الاراضي والممتلكات ........ مجانية تعليم......بس بس بس عندااااااااااااك ارجع بقى و حط تلاتين خط تحت مجانية التعليم دي
اية اللي حصل بقى التعليم ببلاش يا جدعان يعني الفلاح والصنايعي يعلم اولادة ببلاش من غير مايدفع مليم طيب واية يعني..... لأ مش وأية يعني.... الناس دي بقالها كذا ميت سنة شايفة ان التعليم غالي و المتعلمين فقط هم ابناء علية القوم و من ابناء القادرين على تحمل مصاريف التعليم بالطبع, يعني هما اغنياء وعندهم اراضي ومصانع او يشغلوا وظائف في البلد علشان هم متعلمين, يبقى كلة لازم يدخل ولادة التعليم ويسيبوا الصنعه والمهنة و يروحوا المدارس والجامعات, علشان يبقوا زي ولاد البهوات والبشوات والموظفين, علشان يبقوا محترمين, واغنياء وليهم مركز اجتماعي, الفلاح والعامل والمهني فهموها كدة, احنا لوأولادنا يتعلموا حايبقوا بهوات وبشوات و اصحاب اراضي او موظفين مرموقين في الدولة طيب اية اللي حصل, اتجة قطاع كبير من العمال والفلاحين إلى تعليم ابناؤهم, وبدلا من ان يتشرب الأبناء مهنة الأباء من مهنة زراعية او حرفة او مهنة, نجار حداد سباك, سمكري اصبح الابناء في المدارس
وبالطبع تزايدت النسبة عام بعد عام, واصبحت المدارس الحكومية غير قادرة على القيام بمهمتها من تعليم الطلبة و تزايد اعدادهم على مر السنين ولم تستطيع الحكومات المتعاقبة منذ حينها ان تواكب هذا النمو المطرد و تطور التعليم وتتيح اماكن كافية لكل هذا القطيع المندفع نحو الاتجاة للدراسة و انخفضت الامكانيات و تدهور المستوى وارتفعت المجاميع
ملحوظة فيالأربعينات الخمسينات كنت بمجموع 55% تستطيع الاختيار بين عدة من الكليات مرموقة من علوم وحقوق و غيرها ولربما كنت لتلتحق بالطب والهندسة ومجموعك لم يصل للسبعين بالمائة وذلك لتوفر الاماكن بكل الكليات بالمقارنة باعداد المتخرجين من المدارس ولا وجة للمقارنة بين هؤلاء الذين حصلوا على البكالوريا القديمة وبين اشباة المتعلمين الذين يتحصلون على الثانوية العامة اليوم بعد نصف قرن من الزمان

الخطوة التالية و ربما ظهرت وتفاقمت مع بدايات السبعينيات من القرن المنصرم, بدأ هؤلاء المتمعون بالمجانية في التخرج من الجامعات والبحث عن الوظائف لشغلها وبالطبع تجلت الصورة انهم اكثر بكثير من احتياج المجتمع وبدأ التزاحم على الوظائف و عرفنا البطالة و قلة الاجور
وهذا وضع طبيعي فالفلاح كان ابناؤة يفلحون في الأرض ويرعونها و يتوارثون المهنة جيل بعد جيل وتنتقل الارض للاجيال القادمة بخيرها ووفرة محصولها
والنجار والحداد والسباك وكل المهنيين كانوا يتوارثون المهنة من الاب للأبن للحفيد وكان من الطبيعي ان لقب العائلة يدل على مهنتهم و يتوارث الابناء المهنة مع الورشة او المحل جيل بعد جيل وكانوا يتقنونها و يتفنون فيها و يتوارثون مهارتها و يعرفون خبااياها و طبيعي ان انتقال ذلك من الاب للابناء يختلف تماما عن من صاحب العمل للصنايعي, لانة وببساطة سيرغب في الحفاظ على اسرار مهنتة ولا يبوح بها لغريب
لكن هل يعود ابناء الفلاح ليفلحون في ارض ابائهم بعدما حصلوا على الشهادات الجامعيه و انهوا تعليمهم, هل يعود ابناء المهني من حداد او نجار او غيرة للبداية ويقفون في ورش آبائهم لتعلم مباديء المهنة ثم اتقانها وتوارث اسرارها و محل العمل,بالطبع لا سيتجهون كلهم في الاتجاة للمدينة والحصول على وظيفة وبالتالي حدث ما نحن نواجهه من عفود من الزمان من زيادة الاطباء والمهندسين ونقص العمال والفلاحين و الهجرة من الريف للمدن
و تدهور مستوى التعليم وعدم قدرة الحكومات على مواكبة التطور العلمي وتطويراسليب التعليم او حتى الحفاظ على مستوي التعليم والتدريب او على الوفاء بإلتزاماتها بتعيين الخريجين حتى ولو من الاطباء والمهندسين
وكان الطبيعي ايضا تدهور مستوى الحرفيين والمهنيين بل واندثار بعض المهن او انعدام الكفائات في مهن عديدة و ارتفاع اسعار الخدمات المهنية بالمقابل لمرتبات واجور الوظائف

وأتجاة نحو البحث عن عمل بالمدن وعواصم المحافظات و هجرة داخلية ومزيد من التكتل بالقاهرة و المدن الكبيرة و هجر الاراضي الزراعية و تبويرها ولا تجد من يعمل بها بل وتجد هم يتكالبون على السفر للعراق والكويت ودول الخليج و غيرها و يتركون ارضهم وارض آبائهم للبوار من اجل وظيفة ببضع دراهم و دينارات ولربما يقبلون المهانة والذل و الاستعباد و يعملون احقر المهن كل يعودوا في النهاية بحفنة من الريالات وحقيبة من الهدايا والملابس ومروحه ويرفضون العمل في مهن توارثوها اب عن جد ببلدهم ليذهبوا للعمل في اي مهنة في دول الخليج والبترول

من خمسين سنة كان الانتاج الزراعي يفيض و نصدر بل وكان لدينا افضل قطن و قمح و خضروات

اليوم نستورد من الصين التفاح والثوم بل ونستورد القمح من السعودية

نستورد القمح من صحراء الجزيرة العربية و لدينا اكبر نهر في العالم ولدينا افضل تربة زراعية

لماذا لأننا قطعنا افضل يد زراعية توارثناها اب عن جد على مدار قرون وعصور من ايام اجدادنا الفراعنة

اليوم يأتي الينا الصينيون ليقيموا الورش في بلادنا ليصنعوا المشغولات و المنسوجات و يبيعونها لنا

اليوم نستورد سجادة الصلاة والجلابية و فانوس رمضان من الصين و تركيا وغيرها

انا غير ضليع بالاحصائيات والارقام ولكن ما اعرفة ولا شك فية ان الارض الزراعية اليوم اقل بكثير مما كانت عليى من نصف قرن من الزمان

برغم انة من الطبيعي انها تنموا وتزيد وتتوسع

لكن ما حدث اننا كشعب زاد وتوحش و اكلنا ارضنا واهلنا سعيا وراء الشهادات حلماً بإقتناء دينارات ودراهم الخليج

و